السلفية في تونس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تقوى الله قسمان" للشيخ عبد المالك رمضاني "

اذهب الى الأسفل

تقوى الله قسمان" للشيخ عبد المالك رمضاني "  Empty تقوى الله قسمان" للشيخ عبد المالك رمضاني "

مُساهمة  أحمد سالم الأربعاء أبريل 13, 2011 5:34 pm

تقوى الله قسمان:

الأول: هو توحيد الله

الثاني: هو تجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم


القسم الأوّل: التوحيد


أعظمُ شيءٍ يُعِدُّه المؤمنون ليتَقَوَّوْا على عدُوِّهم هو أن يتَّصلوا بالله، توحيداً، ومحبَّةً، ورجاءً، وخوفاً، وإنابةً، وخشوعاً، وتوكُّلاً، ووُقوفاً بين يديه، واستغناءً عمّا سِواهُ، فقد بيَّن اللهُ –تعالى- في كتابه أنَّ المستحقِّين للاستخلاف في أرضه هم الذين استقرَّ في قلوبهم الخوفُ من مقامه والخوفُ من وعيده، فقال: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ [إبراهيم: 13-14].

وهؤلاء هم أهل التوحيد الخالص الذين وعدهم الله بالنَّصر والتمكين والأمن والاستخلاف، فقال: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ﴾ [النور: 55].

فهل انتبهَ المسلمونَ لهذا الشَّرْط العظيم ﴿ يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ﴾ ؟


وهلْ يُرشَّحُ للنَّصرِ مَن يعلِّقُ أمَلَه بحَجَر؟
وهلْ يُرشَّحُ للنَّصرِ مَن يستغيثُ بميِّتٍ من البشر؟
وهلْ يُرشَّحُ للنَّصرِ مَن يسجدُ عند قبرٍ؟
وهلْ يُرشَّحُ للنَّصرِ مَن يطوفُ بمشهَد رجلٍ صالحٍ؟
وهلْ يُرشَّحُ للنَّصرِ مَن يجعلُ سرَّه وعلانيتَه بيد وليٍّ، أو يُقْسِم بنبي؟

كلُّ هؤلاء لا يُرشَّحون للنَّصرِ، وكلُّ هؤلاء فينا منهم الكثيرُ، بل هم أكثرُ الكثيرِ.

لقد روى الإمامُ أحمد بسندٍ صحيحٍ أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (( بَشِّرْ هذه الأمَّةَ بالسَّناء والدِّين والرِّفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لَم يكن له في الآخرة من نصيب)).

فالتبشير حاصلٌ، والوعدُ محقَّقٌ لا ريب فيه، لكن تأمَّلوا شرطَ الإخلاصِ في قوله: (( فمَن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا ))، أي: هو في صفةِ عمله عملٌ حسنٌ، لكنَّه أراد به هذه الدنيا ومتاعَها الرَّخيص، فلذلك لا يُنصَر، فكيف بمَن عملُه بغير عمل الآخرة، أي: بغير طاعة الله -عزَّ وجلَّ-؟!

رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسكت عن التوحيد


لقد خرجت عُصبةُ المؤمنين أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة حُنين، وكان منهم رجالٌ حديثو عهد بالإسلام، فرأوا أنَّ المشركين يُعلَّقون أسلحتهم بشجرةٍ يقالُ لها ذات أنْوَاط، يطلبون منها البرَكَةَ - كما يفعل كثيرٌ من جهَّال المسلمين اليوم، الذين فقدوا الله وضيَّعوه، فلجأوا إلى خلقه - فقال هؤلاء الضعَفَةُ - وكانوا حديثي عهدٍ بالجاهليَّة والشِّرْك - قالوا: " يا رسول الله، اجْعَل لنا ذات أنْوَاطٍ كما لهم ذات أنواط".

فقال -عليه الصلاة والسّلام-: (( اللهُ أكبر ـ وفي روايةٍ: سبحان الله ـ إنَّها السّنن، لقد قلتم والذي نفسي بيده كما قال قومُ موسى لموسى: ﴿ اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [الأعراف: 138] )). رواه أحمدُ، وهو صحيحٌ.

فتأمَّلوا هذا الحديث، ما أعظَمَه! لَم يَمنع النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- جِدةُ إسلامِهم مِن أن يُنكرَ عليهم كلمةً مفضيةً إلى شركٍ، ولم يمنع النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كونُه خارجاً بهذه العُصبة الطيِّبة لمجاهدة الكفَّار الخُلَّص أن يسكُتَ عن خطأٍ منهم عقديّ؛ لأنَّه لو سكت عنه لتعثَّر الجهادُ، وأصابه ما الله به عليمٌ.

فلا يجوز أبدأ أن يُسكتَ عن حقِّ الله في أن يُعبد وحده، هذا شرطٌ عظيمٌ.

وما دامت الأمّةُ لم تتحقَّق بالتوحيد، وما دام يُسكَتُ عن العجائز وكبار السِّنِّ، بل وعن كثير من المثَقَّفين، الذين يتعلَّقون بكذب ساحر أو خبرِ كاهنٍ، أو يتعلَّقون بآمال ضائعةٍ عند مشهد قبر صالحٍ، أو غير ذلك من الشِّركيات المعلومة اليوم، فلا يمكن لهذه الأمة أن تنشُدَ نصراً، أو أن تطلبَ مجداً.

وإذا كانت هذه هي شدَّةُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- وغضبُه في الله على مَن طلب مجرَّدَ التشبُّهِ بمن يُعلِّق سلاحَه بشجرةٍ دون أن يعبدَها أو أن يدعوَها، فكيف يكون غضبُه على مَن يستنصرُ بصاحب قبرٍ، أو يحمل معه شيئاً من ترابه أو آثاره طلباً للظَّفر، قال ابنُ القيِّم - رحمه الله - في إغاثة اللّهفان (2/205): "فإذا كان اتخاذَ هذه الشجرة لتعليق الأسحلة والعكوفِ حولها اتخاذَ إلهٍ مع الله –تعالى-، مع أنهم لا يعبدونَها ولا يسألونَها، فما الظَّنُّ بالعكوف حول القبر، والدَعاءِ به، ودعائِه، والدّعاءِ عنده؟!
فأيُّ نسبةٍ للفتنة بشجرةٍ إلى الفتنة بالقبر لو كان أهلُ الشِّرْك والبدعة يعلمون؟!".

قلتُ: ولا يزال الناسُ يذكرون مَن كان لا يخرجُ لقتال الشّيوعيّين حتَّى يتوسَّط إلى الله بصاحب قبرٍ، وإلى الله المشتكى! ولا يزال الناسُ يسمعون مُن يقول: لا تُثِّبطوا المجاهدين بالحديث عن التوحيد والتحذير من الشرك ...!!!

فانظر كم بين دعوتِهم هذه ودعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- تلك!

ابن تيميّة يعلّم الناس التوحيد في جهاد دفاعي

لَمَّا داهمَ التَّتارُ أهلَ الشّام، خرج المسلمون لمواجهتهم، وكانت فيهم شركيَّاتٌ، فجعل ابنُ تيمية - رحمه الله - يصحِّح عقيدَتَهم ويدعوهم إلى التوحيد، كما قال في ردِّه على البكري المطبوع باسم "تلخيص كتاب الاستغاثة" (2/731 – 738:ت تحقيق عجال): "وكان بعض الأكابر من الشيوخ العارفين من أصحابنا يقول: هذا أعظم ما بيَّنتَه لنا؛ لعلمه بأنَّ هذا أصلُ الدِّين، وكان هذا وأمثالُه في ناحيةٍ أخرى يدعون الأمواتَ، ويسألونهم، ويستجيرون بهم، ويتضرَّعون إليهم، وربَّما كان ما يفعلونه بالأموات أعظم؛ لأنَّهم إنَّما يقصدون الميِّتَ في ضرورةٍ نزلت بهم، فيدْعونه دعاء المضطرّ، راجين قضاءَ حاجتهم بدعائه والدّعاء به أو الدعاء عند قبره، بخلاف عبادتهم اللهَ –تعالى- ودعائهم إيّـاه، فإنْهم يفعلونه في كثيرٍ من الأوقات على وجه العادة والتكلُّف، حتّى إنَّ العدوَّ الخارج عن شريعة الإسلام لما قدم دمشق خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور التي يرجون عندها كشفَ ضرِّهم، وقال بعض الشعراء:

يا خائفين من التَّتْر لوذوا بقبر أبي عُمَرْ

أو قال:

عوذوا بقبر أبي عُمَرْ يُبْجِيكم من الضَّرَرْ"

قلت: ولعلّ القارئ قد انتبه إلى أنَّ هذا كان في جهاد الدَّفع لا جهاد الطلب، وفي هذا ردٌّ صريحٌ على الذين لا يهتمّون بتصحيح العقيدة عند هذا النوع من الجهاد، ويزعمون أنَّ هذا خاصٌّ بجهاد الطالب، واللهُ الموَفِّق.

لو كان الصالحون في جيش فيه شركيّات لانهزموا

قال ابنُ تيمية بعد كلامه السّابق: "فقلتُ لهم: هؤلاء الذين تستغيثون بهم لو كانوا معكم في القتال لانهزموا كما انهزم من انهزم من المسلمين يومَ أُحُد (1)؛ فإنه كان قد قضى أنَّ العسكر ينكسر لأسبابٍِ اقتضت ذلك، ولحكمةٍ لله عزَّ وجلَّ في ذلك".

من ترك القتال بسبب البدع والشرك

ثمَّ قال - رحمه الله - بعد كلامه السابق: "ولهذا كان أهلُ المعرفة بالدِّين والمُكاشفة (1)لم يقاتلوا في تلك المرَّة؛ لعدم القتال الشرعيّ الذي أمر اللهُ به ورسولُه، ولِما يحصل في ذلك من الشرِّ والفساد وانتفاءِ النُّصرة المطلوبة من القتال، فلا يكون فيه ثوابُ الدنيا ولا ثوابُ الآخرة لمن عرف هذا وهذا، وإن كثيراً من القائلين الذين اعتقدوا هذا قتالاً شرعيّاً أُجِروا على نيّاتهم، فلمّا كان بعد ذلك جعلنا نأمر الناسَ بإخلاص الدَّين لله -عزَّ وجلَّ-، والاستغاثة به، وأنَّهم لا يستغيثون إلاَّ إيّاه، لا يستغيثون بملَكٍ مقرَّبٍ ولا نبيٍّ مرسلٍ، كما قال –تعالى- يومَ بدْرٍ: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُم ﴾ [الأنفال: 9]، ورُوي أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يوم بدرٍ يقول: (( يا حيُّ، يا قيُّومُ، لا إله إلاَّ أنتَ، برحمتِك أستغيثُ )) (2) ، وفي لفظ: (( أصلح لي شأني كلّه، ولا تكِلْني إلى نفس طرْفَة عَيْن، ولا إلى أحدٍ مِن خلْقِك)) (3)".

قلتُ: رحمه الله رحمهً واسعةً؛ فقد روى ابنُ بطّة في الإبانة / القدر (رقم: 1848) أنَّ عمرَ بن عبد العزيز قال: "لا تغْزوا مع القدرية؛ فإنَّهم لا يُنصَرون".


انتصار المسلمين على التتار بعد أن صحّحوا عقيدتهم واتّبعوا الرسول

ثمَّ قال - رحمه الله - بعد كلامه السابق:

"فلمّا أصلح الناسُ أمورَهم وصدقوا في الاستغاثة بربِّهم نصَرَهم على عدوِّهم نصراً عزيزاً، ولم تُهزم التتار مثل هذه الهزيمة قبل ذلك أصلاً؛ لما صحّ من تحقيق توحيد الله –تعالى- وطاعة رسوله ما لم يكن قبل ذلك؛ فإنَّ اللهَ –تعالى- ينصرُ رسولَه والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهادُ".

قلت: فدلَّ هذا على أنَّه لا تمكين في الأرض حتى يتمكَّن الدِّينُ الصحيحُ من النُّفوس، ومصداقُه في كتاب الله قوله –تعالى-: ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴾ [الرعد: 11].

وتأمَّل قولَ ابن تيمية -رحمه الله-: "تحقيق توحيد الله –تعالى- وطاعة رسوله ... " تفْهَم سببَ اشتِراط العلماء التوحيدَ لله –تعالى- والمتابعةَ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أجل تحقيق النَّصر، وأنَّه لا يُغمِضُ عينيه عن هذين الشَّرطين إلاَّ (ميكيافيلي) قد أُشرب قلبُه القاعدةَ اليهوديةَ: "الغايةُ تبرِّرُ الوسيلةَ"، واللهُ العاصمُ.

هذا أوَّلُ ما أُذكِّرُ به إخواني، واللهَ نسألُ أن يشرحَ صدورَنا بالتوحيد، وأن يهديَنا صراطَه المستقيم.

القسم الثاني: تجريد المتابعة لرسول الله

والقسم الثاني من أقسام التقوى هو: تجريدُ المتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، التي هي الأساس الثاني بعد الإخلاص الذي يُبنى عليه العزُّّ والتمكين، قال الله –تعالى- لنبيِّه عيسى -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 55]، كما أخبر النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم - بأنَّ الظهورَ والانتصارَ هو حقٌّ خالصٌ لأهل السُّنَّةِ، فقال: (( لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحقِّ، لا يضرُّهم مَن خذلَهم حتى يأتي أمرُ الله وهم كذلك ))، رواه مسلم، وفي رواية لابن حبان وغيره بلفظ: (( لا تزال طائفةٌ من أمتي منصورين، لا يضرُّهم خذلان مَن خذلهم حتى تقوم الساعة )) [صحيح الجامع الصغير 7292].

قال أحمد -رحمه الله-: "إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحابَ الحديث، فلا أدري مَن هم!" رواه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص:2)، وصححه ابن حجر في الفتح (13/293).

إنَّ الذي جعل هؤلاء منصورين هو تمسُّكهم بالسُّنَّة، فلا يذهبنَّ الوهمُ بأحدِكم إلى أن يقول: مهما كان فينا من عيوب، فإنَّ أعداءَنا كفّارٌ و ظلمة ومُعاندون ومستكبرون عن الحقّ، فنحن إذاً المستحقُّون للنصر؟

لا يذهبنَّ بكم الوهمُ إلى قاعدةِ الحسناتِ والسيِّئات، والموازنة بينهما؛ لأنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- أرانا في خير هذه الأمَّة وصفوتِها في رعيلها الأوّل، شيئاً من مظاهر الانكسار والضعف والهزيمة، وهم أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مع أنَّهم كانوا يواجهون أعتى وأكفرَ خلق الله يومئذ.

ولعلّكم لا تنسون غزوةَ أُحُد، حيث أمر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الرماةَ أن لا يغادروا أماكنَهم، وقال لهم كما عند البخاري وأبي داود: (( لا تبرحوا وإن رأيتمونا ظهرنا عليهم ـ أي انتصرنا عليهم ـ فلا تبرحوا وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا )) وفي رواية: (( إن رأيتمونا تحطَّفنا الطَّّيرُ ـ أي انهزمنا هزيمةً نكراء ـ فلا تبرحوا من مكانكم )).

فلمّا رأى المسلمون أنَّهم انتصروا، والغنائمُ العظيمةُ بين أيديهم، وأعينُهم ترمُقها، وأنفُسُهم ترْنُو إليها، ترك جمْعٌ منهم أماكنَهم، يريدون الوصولَ إليها ، فأخذوا يقولون: الغنيمةَ الغنيمةَ! فقال لهم أميرُهم عبدُ الله بن جبير: " أَنَسيتُم ما قال لكم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالوا: والله لنأتينّ النَّاسَ، فلنصيبنّ من الغنيمة!" فأتوهم فصرفت وجوههم ـ أي أنهم ضيَّعوا أمرَهم ـ وأقبلوا منهزمين، فأُصيب سبعن قتيلاً، حتى دار عليهم عدوُّهم، وتركهم الله -عزَّ وجلَّ- ينكشفون بين أيديهم لمجّرد مخالفةٍ لأمره -عليه الصلاةُ والسلام-.

وهم الذين نصر الله –تعالى- بهم هذا الدِّين، تركوا أماكنَهم، فتَرَك اللهُ ولاءَهم في تلك اللَّحظة، فضاعوا -رضي الله عنهم وأرضاه-م، لولا أن كتب الله لهم النصرَ بعد ذلك.

فتأمَّلوا هذا، قال الله –تعال-ى: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165]، وقال: ﴿ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ﴾ [النساء: 79]. فمصيبةُ المرء من نفسه، فليعالِجها؛ فإنَّ الله –تعالى- معه ما اتَّقَاهُ، كما قال –سبحانه-: ﴿ إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].

هذا هو الشَّرْطُ الثَّاني في عُدَّة الإيمان، ألا وهو متابعةُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- حقَّ المتابعة.

الشرط الأوّل: أُذكِّرُكم به، هو التوحيدُ من غير إشراكٍ.

الشرطُ الثاني: متابعةُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- من غير ابتداعٍ ولا معصيةٍ.

وقد جمعَهما اللهُ -عزَّ وجلَّ- في آيةٍ واحدةٍٍ من آيات الجهاد، ألا وهي قولُه –تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64]، أي أنَّ اللهَ معك ومؤيِّدُك ونصيرُك ووليُّك، وهو أيضاً مع المسلمين الذين اجتمع فيهم الشّرطان: الإيمان والمتابعةُ ﴿ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

فتأمَّل وصفَهم بالاتِّباع، وقد بسط القول على هذه الآية ابنُ تيمية في منهاج السُّنَّة (8/487 – 488) فارجع إليه؛ فإنَّه نفيسٌ!

فإذا كان عامَّةُ المسلمين على هذين الوصفين فلن يؤخِّر اللهُ عنهم النَّصرَ، ولا يتخلَّف عنهم النَّصرُ أبداً؛ لأنَّ اللهَ قال: ﴿ وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 6].

وكيف كان أصحابُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- ينتصرون على أعدائهم مع أنَّهم بشر، يخطئون كما يخطئ غيرُهم؟

لقد روى ابن حبان وغيره عن أبي المصبح قال: "بينا نحن نسير بأرض الروم في طائفةٍ عليها مالك بن عبد الله الخثعي، إذ مرَّ مالكٌ بجابرِ بن عبد الله وهو يمشي يقود بغلاً له، فقال له مالك: أي أبا أعبد الله اركب فقد حملك اللهُ.

فقال جابر: أصلح دابتي وأستغني عن قومي، وسمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من اغبَّرت قدماه في سبيل الله حرَّمه الله على النَّار".
فأعجب مالكاً قولُه، فسار حتى كان حيث يسمعه الصوت ناداه بأعلى صوته: يا أبا عبد الله، اركب فقد حملك الله.
فعرف جابر الذي يريد (أي فهم جابر أنَّ مالكاً يريد إسماعَ بقيَّة الجيش) فرفع صوته فقال: أصلح دابتي وأستغني عن قومي، وسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (( من اغبَّرت قدماه في سبيل الله حرَّمه اللهُ على النَّار )).
فتواثب النَّاسُ عن دوابِّهم، فما رأيتُ يوماً أكثرَ ماشياً منه" صحّحه الألباني في الإرواء، حديث (رقم: 1183).
سبحان الله! متابعةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى في غبار الأرض، هكذا نصر اللهُ تلك الأمَّةَ.
إذن ينبغي لهذه الأمَّة أن تنتبه إلى أنَّ القضيَّةَ ليست قضيَّةَ كثرةِ عددٍ، ولا تجميعٍ على غير هدىً، هذا يقدرُ عليه كثيرٌ من الأذكياء غير الأزكياء، لكن العبرة بتَربية أمةٍ على توحيدٍ خالصٍ لله، وعلى متابعةٍ مجرَّدةٍ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

من رسالة: السبيل إلى العز والتمكين

أحمد سالم

المساهمات : 126
تاريخ التسجيل : 13/04/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى